الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
الرابع: الآيات الدالة على أنه تعالى جعل حركات هذه الأجرام وخلقها على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم كقوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} [يونس: 5] وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ في السماء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} [الفرقان: 61].النوع الخامس: أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه تمسك بعلم النجوم فقال سبحانه: {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات 88، 89] السادس: أنه تعالى قال: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 57] ولا يكون المراد كبر الجثة لأن كل أحد يعلمه فوجب أن يكون المراد كبر القدر والشرف، وقال سبحانه: {وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] ولا يجوز أن يكون المراد أنه تعالى خلقها ليستدل بتركيبها وتأليفها على وجود الصانع لأن هذا القدر حاصل في تركيب البعوضة ودلالة حصول الحياة في بنية الحيوانات على وجود الصانع أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلكية عليه لأن الحياة لا يقدر عليها غيره تعالى وجنس التركيب يقدر عليه الغير فلما خصها سبحانه وتعالى بهذا التشريف المستفاد من قوله تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] علمنا أن في تخليقها أسرارًا عالية وحكمًا بالغة تتقاصر عقول البشر عن إدراكها، ويقرب من هذه الآية قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} [ص: 27] ولا يمكن أن يكون المراد أنه تعالى خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز محدث وكل محدث مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على وجود الفاعل أمر ثابت لها لذواتها وأعيانها وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل فلم يمكن حمل الآية على هذا الوجه فوجب حملها على الوجه الذي ذكر.النوع السابع: روي أن عمر بن الخيام كان يقرأ كتاب المجسطي على أستاذه فدخل عليهم واحد من المتفقهة فقال: ما تقرءون؟ فقال عمر: نحن في تفسير آية من كتاب الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بنيناها وزيناها وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق: 6] فنحن ننظر كيف خلق السماء وكيف بناها وكيف صانها عن الفروج.الثامن: أن إبراهيم عليه السلام لما استدل على إثبات الصانع تعالى بقوله: {رَبّيَ الذي يُحْىِ وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] قال له نمروذ: أتدعي أنه يحيي ويميت بواسطة الطبائع والعناصر أولًا بواسطتها فإن ادعيت الأول فذلك مما لا تجده البتة لأن كل ما يحدث في هذا العالم فهو بواسطة العناصر والحركات الفلكية وإن ادعيت الثاني فمثل هذا الإحياء والإماتة حاصل مني ومن كل أحد وهو المراد بقوله: {أنا أحي وأميت} [البقرة: 258] ثم إن إبراهيم عليه السلام لم ينازع في كون هذه الحوادث السفلية مرتبطة بالحركات الفلكية بل أجاب بأن الله تعالى هو المبدأ لتلك الحركات فيكون الفعل منه سبحانه حقيقة والواحد منا لا يقدر على تحريك الأفلاك على خلاف التحريك الإلهي وهذا هو المراد بقوله: {فَإِنَّ الله يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب} [البقرة: 258] وإذا عرفت نهج الكلام في هذا الباب عرفت أن القرآن العظيم مملوء من تعظيم الأجرام الفلكية وتشريف الكرات الكوكبية، وأما الأخبار فكثيرة منها ما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهي عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما عند قضاء الحاجة، ومنها أنه لما مات ولده صلى الله عليه وسلم إبراهيم انكسفت الشمس فقال: الناس إنما انكسفت لموت إبراهيم فقال عليه الصلاة والسلام:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة» ومنها ما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا» ومن الناس من يروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسافروا والقمر في العقرب» ومنهم من يرويه عن علي كرم الله تعالى وجهه وإن كان المحدثون لا يقبلونه، وأما الآثار فكثيرة أيضًا فعن علي كرم الله تعالى وجهه أن رجلًا أتاه آخر الشهر فقال: أريد الخروج في تجارة فقال: تريد أن يمحق الله تعالى تجارتك استقبل هلال الشهر بالخروج.وعن عكرمة أن يهوديًا منجمًا قال له ابن عباس: ويحك تخبر الناس بما لا تدري فقال: إن لك ابنًا في المكتب يحم غدًا ويموت في اليوم العاشر فقال ابن عباس: ومتى تموت أنت؟ قال: على رأس السنة ثم قال له: ولا تموت أنت حتى تعمى فكان كل ذلك.وعن الشعبي قال: قال أبو الدرداء لقد فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنا ولا طائر يطير بجناحيه إلا ونحن ندعي فيه علما وليست الكواكب موكلة بالفساد والصلاح ولكن فيها دليل بعض الحوادث عرف ذلك بالتجربة، وجاء في الآثار أن أول من أعطى هذا العلم آدم عليه السلام وذلك أنه عاش حتى أدرك من ذريته أربعين ألف أهل بيت وتفرقوا عنه في الأرض وكان يغتم لخفاء خبرهم فأكرمه الله تعالى بهذا العلم فكان إذا أراد أن يعرف حال أحدهم نظر في النجوم فعرفه.وعن ميمون بن مهران أنه قال: إياكم والتكذيب بالنجوم فإنه من علم النبوة، وروي عن الشافعي أنه كان عالمًا بالنجوم، وجاء لبعض جيرانه ولد فحكم له بأن هذا الولد ينبغي أن يكون على عضوه الفلاني خال صفته كذا وكذا فوجد الأمر كما قال، وروى ابن إسحاق أن المنجمين أخبروا فرعون أنه سيجىء ولد من بني إسرائيل يكون هلاكه على يده.وكذا كان كما قص الله تعالى: {يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ} [القصص: 4] وأما المعقول فهو أن هذا العلم ما خلت عنه ملة من الملل ولا أمة من الأمم ولم يزالوا مشتغلين به معولين عليه في معرفة المصالح، ولو كان فاسدًا بالكلية لاستحال إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه، والتجارب في هذا الباب أكثر من أن تحصى اه كلامه.ولعمري لقد نثر الكنانة ونفض الجعبة واستفرغ الوسع وبذل الجهد وروج وبهرج وقعقع وفرقع ومن غير طحن جعجع وجمع بين ما يعلم بالضرورة أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وما يعلم بالضرورة أنه خطأ في تأويل كلام الله تعالى ومعرفة مراده سبحانه، ولا يروج ما ذكره إلا على مفرط في الجهل أو مقلد لأهل الباطل من المنجمين {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ} فاسمع لما نقول: ما ذكره من الاستدلالات أو هي من بيوت العناكب وأشبه شيء بنار الحباحب؛ فأما الاستدلال بقوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس الجوار الكنس} [التكوير: 15، 16] ففيه أنا لا نسلم أن هناك قسمًا بالنجوم فقد روي عن ابن مسعود أن المراد بالخنس بقر الوحش وهي رواية عن ابن عباس واختاره ابن جبير، وحكى الماوردي أنها الملائكة، وإذا سلم ذلك بناءً على أنه الذي ذهب إليه الجمهور فأي دلالة فيه على التأثير وقد أقسم سبحانه بالليل والنهار والضحى ومكة والوالد وما ولد والفجر وليال عشر والشفع والوتر والسماء والأرض واليوم الموعود وشاهد ومشهود والمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات والتين والزيتون وطور سينين إلى غير ذلك فلو كان الإفسام بشيء دليلًا على تأثيره لزم أن يكون جميع ما أقسم به تعالى مؤثرًا وهم لا يقولون به وإن لم يكن دليلًا فالاستدلال به باطل، ومثله في ذلك الاستدلال بقوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] وقد فسر غير واحد مواقع النجوم بمنازل القرآن ونجومه التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مدة ثلاث وعشرين سنة، وكذا الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى: {والسماء والطارق} [الطارق: 1].وأما قوله تعالى: {فالمدبرات أَمْرًا} [النازعات: 5] فلم يقل أحد من الصحابة والتابعين وعلماء التفسير أنه إقسام بالنجوم فهذا ابن عباس. وعطاء. وعبد الرحمن بن سابط. وابن قتيبة. وغيرهم قالوا: إن المراد بالمدبرات أمرًا الملائكة حتى قال ابن عطية: لا أحفظ خلافًا في ذلك، وكذلك {المقسمات أمْرًا} [الذاريات: 4] فتفسيرهما بالنجوم تفسير المنجمين ومن سلك سبيلهم وهو تفسير بالرأي والعياذ بالله تعالى، وأما وصفه تعالى بعض الأيام بالنحوسة كما في الآية التي ذكرها فليس ذلك لتأثير الكواكب ونحوستها بحسب ما يزعم المنجم بل لأن الله تعالى عذب أعداءه فيها فهي أيام مشائيم على الأعداء فوصف تلك الأيام بنحسات كوصف يوم القيامة بأنه عسير على الكافرين.وكذا يقال في قوله تعالى: {فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ} [القمر: 19] وليس {مُّسْتَمِرٌّ} فيه صفة {يَوْمٍ} بل هو صفة {نَحْسٍ} أي نحس دائم لا يقلع عنهم كما تقلع مصائب الدنيا عن أهلها، والقول بأنه صفة {يَوْمٍ} وأن المراد به يوم أربعاء آخر الشهر وأنه نحس أبدًا غلط ولا يكاد المنجم يزعم نحوسة يوم أربعاء آخر الشهر ولو شهر صفر أبدًا بل كثيرًا ما يحكم بغاية سعده حسبما تقتضيه الأوضاع الفلكية فيه بزعمه.وأما استدلاله بالآيات الدالة على أنه سبحانه وضع حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم فمن الطرائف إذ الأليق لو صح زعم المنجم أن يذكر في الآية ما تقتضيه النجوم من السعد والنحس وتعطيه من السعادة والشقاوة وتهبه من الأعمار والأرزاق والعلوم والمعارف وسائر ما في العالم من الخير والشر فإن العبرة بذلك أعظم من العبرة بمجرد الضياء والنور ومعرفة عدد السنين والحساب، وأما ما ذكره عن إبراهيم عليه السلام من أنه تمسك بعلم النجوم حين قال: {إِنّى سَقِيمٌ} فسقيم جيدًا وقد سمعت ما قيل في الآية، ولا ينبغي أن يظن بإمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وخليل رب الأرض والسماء أنه كان يتعاطى علم النجوم ويأخذ منه أحكام الحوادث ولو فتح هذا الباب على الأنبياء عليهم السلام لاحتمل أن يكون جميع أخبارهم عن المستقبلات من أوضاع النجوم لا من الوحي وهو كما ترى، وأما الاستدلال بقوله تعالى: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} [غافر: 57] وإن المراد به كبر القدر والشرف لا كبر الجثة ففي غاية الفساد فإن المراد من الخلق هاهنا الفعل لا المفعول، والآية للدلالة على المعاد أي إن الذي خلق السموات والأرض وخلقهما أكبر من خلقكم كيف يعجزه أن يعيدكم بعد الموت، ونظيرها قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [يس 81] وأين هذا من بحث أحكام النجوم وتأثيراتها، ومثل هذا الاستدلال بقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا} [آل عمران: 191] فإن خلق السموات والأرض من أعظم الأدلة على وجود فاطرهما وكمال قدرته وحكمته وعلمه وانفراده بالربوبية ومن سوى بينهما وبين البقة فقد كابر، ولذا ترى الأشياء الضعيفة كالبعوضة والذباب والعنكبوت إنما تذكر في سياق ضرب الأمثال مبالغة في الاحتقار والضعف ولا تذكر في سياق الاستدلال على عظمة ذي الجلال جل شأنه، على أن الآية لو دلت على أن للكواكب تأثيرًا لدلت على أن للأرض تأثيرًا أيضًا كالكواكب وهم لم يقولوا به، وما ذكره بعد من أن دلالة حصول الحياة في أبدان الحيوانات أقوى من دلالة السموات والأرض إلى آخر ما قال في حيز المنع، ونظير ذلك الاستدلال بقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا} [ص: 27] فإنه لا يدل أيضًا على أن للكواكب تأثيرًا، وغاية ما تدل عليه هذه الآية ونظائرها أن تلك المخلوقات فيها حكم ومصالح وليست باطلة أي خالية عن ذلك، ونحن نقول بما تدل عليه ولكن لا نقول بأن تلك الحكم هي الإسعاد والإشقاء وهبة الأعمار والأرزاق إلى غير ذلك مما يزعمه المنجمون بل هي الآثار الظاهرة في عالم الطبيعة على ما سمعت ونحوها كالدلالة على وجود الصانع وكثير من صفاته جل شأنه التي ينكرها الكفرة ولا مانع من أن يقال خلق الله تعالى كذا لتظهر دلالته على كذا، ولا تتعين العبارة التي ذكرها على أنه لا بأس بها عند تدقيق النظر، ولعل ما قاله من فروع كون الماهيات غير مجعولة والكلام فيه شهير، وأما ما ذكره عن عمر بن الخيام فهو على طرف الثمام، وأما ما ذكره في محاجة إبراهيم عليه السلام وتقرير المناظرة على ما قرره فلم يقل به أحد من المفسرين سلفهم وخلفهم بل قد يقطع بأنه لم يخطر بقلب المشرك المناظر وما هو إلا تفسير بالرأي والتشهي نعوذ بالله تعالى من ذلك، وأما استدلاله بما روي من نهيه عليه الصلاة والسلام عن استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة فبعيد عن حاجته بل لا دلالة للنهي المذكور على تأثير الكواكب الذي يزعمونه وإلا لدل النهي عن استقبال الكعبة عند قضاء الحاجة على أن لها تأثيرًا، على أن بعض الأجلة قد ذكر أن ذلك النهي لم ينقل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا متصل ولا مرسل وإنما قال بعض الفقهاء في آداب التخلي ولا يستقبل الشمس والقمر فقيل لأن ذلك أبلغ في التستر، وقيل: لأن نورهما من نوره تعالى، وقيل: لأن اسم الله تعالى مكتوب عليهما.وأما ما ذكر من حديث كسوف الشمس يوم موت إبراهيم وقوله عليه الصلاة والسلام ما قال فصحيح لكن لا يدل على ما يزعمه المنجمون، وصدر الحديث يدل على أن الشمس والقمر آيتان وليسا بربين ولا إلهين ففيه إشارة إلى نفي التصرف عنهما، وفي قوله عليه الصلاة والسلام لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته قولان، أحدهما: أن موت أحد وحياته لا يكونان سببًا لانكسافهما، وثانيهما: أنه لا يحصل عن انكسافهما موت ولا حياة وإنما ذلك تخويف من الله تعالى لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة بالحساب لطلوع الهلال وإبداره وسراره، فأما سبب كسوف الشمس فتوسط القمر بين جرم الشمس وأبصارنا كسحابة تمر تحتها فإن لم يكن للقمر عرض ستر عنا كل الشمس وإن كان له عرض فبقدر ما يوجبه عرضه، وأما سبب خسوف القمر فهو توسط الأرض بينه وبين الشمس حتى يصير ممنوعًا من اكتساب النور من الشمس ويبقى ظلام ظل الأرض المخروط في ممره فقد يقع كله في المخروط وقد يقع بعضه فيه ويبقى بعضه الآخر خارجًا إلى آخر ما قرر في موضعه وليس في الشرع ما يأباه والوقوف على وقت الكسوف والخسوف ومقدارهما أمر سهل ولا يلزم من صدق المنجم في ذلك صدقه فيما يزعم من التأثيرات وما الأخبار بهما إلا كالأخبار بوقت طلوع الشمس في يوم كذا في ساعة كذا وكالأخبار بوقت الهلال والإبدار والسرار، ثم إنا لا ننكر أن الله تعالى يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم ويجعل الكسوف سببًا لذلك ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله تعالى والصلاة والعتاقة والصدقة لأن هذه الأشياء تكون سببًا لدفع موجب الكسف الذي جعله الله تعالى سببًا لما جعله فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر عليه الصلاة والسلام بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قامت به أو يقلله أو يخففه فمن فرغ إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله تعالى الكسوف سببًا له أو بعضه، ولهذا قل ما يسلم أطراف الأرض حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل فيها من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف ويسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جدًا.وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في عهده قام فزعًا مسرعًا يجر رداءه ونادى في الناس الصلاة جامعة وخطبهم بتلك الخطبة البليغة وأخبر أنه لم ير كيومه ذلك في الخير والشر وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة بالعتاقة والصدقة والصلاة والتوبة وما ذلك إلا لكونه عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق بالله تعالى وبأمره وشأنه وتصريفه أمور مخلوقاته وتدبيره وأنصحهم للأمة وأشفقهم على العباد ولم يبين لهم عليه الصلاة والسلام أسباب الكسوفين وحسابهما لأن الجهل بذلك لا يضر والعلم به لا ينفع نفع العلم بما جاءت به الرسل عليهم السلام.
|